الأحد، 16 أغسطس 2015

بيرم التونسي .. المعنى والمعاناة

بيرم التونسي
المعنى .... و المعاناة (**)
==================

بقلم الأستاذ/ خالد هلال

محمود محمد مصطفى بيرم
تاريخ الميلاد / 4 مارس 1893م

مكان الميلاد / حى السيالة – الأنفوشى -  الأسكندرية
الجنسية  / حصل على الجنسية المصرية عام 1953 م و هو فى الستين من عمره
الحالة الاجتماعية / تزوج مرتين الأولى من السيدة نبوية أم ولده الكبير
                   محمد و ابنته الكبرى نجية و الثانية من السيدة إحسان
                   أم ولدية محى و أيمن و ابنته الصغرى صبرية
تاريخ الوفاة  / 5 يناير 1961 م
أعماله / 12 مجلداً تتضمن الأزجال و المقامات و قصة السيد و مراته فى
           باريس و أوبريت عزيزة و يونس  و له 11 أوبريت أشهرها
           شهر زاد و عقيلة و ألف ليلة و طباخة بريمو
          و نظم أغانى أفلام ... سلّامة.... عنتر و عبلة ... رابحة
و شارك فى نظم أغانى أفلام .. يحيا الحب ..فاطمة .. آمنت بالله .. انتصار الشباب ... تعال سلم ... عاوزه اتجوز ..آخر كدبة  ... و غيرها
الرصيد الإذاعى / ملحمة الظاهر بيبرس / ملحمة محمد على / مدينة
                    الملاهى / الفوازير / المسحراتى
دراسته / الكُتاب ثم مدرسة الرشاد ثم النصيرية الابتدائية حتى الصف
           الثالث الابتدائى
وبعد وفاة الوالد اضطر للالتحاق كصبي في محل بقالة ثم عمل كمساعد
لزوج أمه فى صناعة (هوادج الجمال) وكانت مهنة صعبة

إلى أن ماتت أمه سنة 1910 م فعاش الصبى الصغير فى بيت عمته و كان يقول :ـ



ابتدأت حياة من الضياع، فقد انتقلت للإقامة مع أختي لأبي المتزوجة من خالي، وكانت تعد علي الأنفاس والحركات والسكنات وتضيق ذرعًا بأية خدمة تؤديها لي

تزوج بيرم التونسي فى سن السابعة عشرة ابنة عطار كبير و أنجبت له ابنه محمد وابنته نجية وساءت أمور تجارته فأغلق محل البقالة بسبب تعنت المجلس البلدى وتحصيلة للرسوم الباهظة و بدأت رحلة بيرم التونسي مع الإمتــــاع و المتعـــــة وقصيـــدته الشهيرة والعبقرية
 ( المجلس البلدى )

 
قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ  والكَمَدِ
                        هوى  حبيبٍ  يُسَمّى   المجلس  البلدي
أمشي   وأكتمُ   أنفاسي   مخافة َ أنْ
                        يعدّهـا  عاملٌ   للمجلسِ   البلـدي
ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى
                        طيف  الخيالِ  خيال   المجلسِ   البلدي
يا  بائعَ   الفجلِ   بالمِلِّيـمِ   واحدةً
                        كم  للعيالِ  وكم   للمجلسِ   البلدي
و تتوفى زوجته تاركة له طفلاً و طفلة أقل من 6 سنوات يحتار فى التعامل معهما فيتزوج بعد 17 يوماً من وفاة زوجتة الأولى..


اتجه بيرم للزجل ليستطيع أن يصل بكلامه و أفكاره إلى السواد الأعظم من العامة ليعبر عن همومهم وآلامهم و أحلامهم و بدأ رحلة الدفاع عن المظلومين و المطحونين فحاول أن يصدر جريدة أومجلة فرفضت السلطات ذلك فأصدر فى4 مايو 1919م مطبوعة أسماها ( المسلة لا هى جريدة و لا مجلة ) و ذلك تحايلاً على السلطات الظالمة آنذاك و بعد 13 عدداً تم إغلاقها و مصادرتها فأصدر مطبوعة أخرى أسماها ( الخازوق) لم يصدر منها إلا عدد واحد صودرت و تم نفى بيرم التونسي .... و بدأت رحلة المعاناة الكبرى.
و كان مما نشر فى هذا العدد الأخير قصائد تتعرض للملك فؤاد شخصياً و لابنته الأميرة فايقة ...

ولما عدمنـــا بمصـر الملـــــوك
جابـــوك الانجليز يافؤاد قعّدوك
تمثل على العرش دور الملــوك
وفين يلقــوا مجرم نظيرك دون



و كتب يقول :

البنت ماشــية من زمــــــان تتمخطـــــر
 وال
غفلة زارعة فى الديوان قرع أخضر

تم نفى بيرم التونسي فى يوم عيد الأضحى و يقول فى ذلك :ـ

يوم الدبايـــح كان ... آخـــر مواعيــــدك
وقفت له فرحـان ... أنصب رايات عيدك
وأفرش لك الريحان ... واسمع زغاريدك
زعق غراب البيـــن ... فصّلت أكفـــاني


خيبة أمـــل ومــــرام ... واعـــــر ومتعسّر
يا ريته كان في منام ... يصبـــــح ويتفسّر
أو حكم بالإعـــــــدام ... ع الناس بيتسطّر
ماكان تشوف العين ... حالي اللي بكّاني


و  يرتحل من تونس لفرنسا لمحاولة دخول مصر و فشل وأعمال شاقة فى مرسيليا بفرنسا لسوريا إلا أن  بيرم التونسي من منفاه لم ينقطع عن مراسلة  الصحف و المجلات مواصلاً حملته ضد الفساد و الظلم


ع السين يا مصر مشيت ... إيّــــاك يسلّينـــي
عليــــــه عب
ـــد جولييـت ... تركي على صيني
يا مـــــا لقيــــت ورأيــت ... جمـــــال ينسّيـني
واتفكّـــــر الهرميـــــــــن ... تجري الدموع تاني





و دعونـــا نتجول قليلاً فيما كتبه يرم التونسي فى منفاه ....

قالــــــــوا اللى يشرب من نيلك ...... لابـــــــد يرجع و يجيلك
و انا اللى عطشان فى سبيلك.......الدنيا ايه اللى جرى لها

لا سطل خــــــــروب يسعفنى........ و لا ابن نكتـــه يكيفنى
ما يقصف العمـــــــــــر و يفنى..........غير الخلايــــق بعبلـها


و يقول
 

غلبت اقطـــــع تذاكــــر
وشبعت يارب غربـــــة
بين الشطوط والبواخر
ومن بلادنا لأوروبــــا
و يقول

حاتجــــن ياريت يا اخونـــا مارحتش لنــدن و لا باريز

دى بلاد تمدين ونضافة و ذوق و لطافة و حاجة تغيظ



و يقول :

الأوله آه ... و التانية آه ...و التالتة آه
الأوله مصـــر .. قالــوا تونسي و نفـونى  ... جزاة الخير و إحسانى
و التانية تونس ... و فيها الأهل جحدونى ...وحتى الغير ما صافانى
و التالته باريس .. وف باريس جهـلـونى ...و انا موليير فى زمانى


ويقول :

يا اسكندريـــة ...ياللى زاينة البحر الابيض
يا نور عينية... ع الشباب و عليكى يعوض
كتمت نـــــارى ... من نهار البين فى ضلوعى
و فضلت أدارى ... عن عيـون الخلق دموعى
رأيت مــوانى ... عن يمين ملكك و شمالك
ما شفت تانى ... فيه أثر من بعض جمالك


و يقول :

أرض الحبايب بعيـــدة ... يـــا لهفى ع الحبـــــايــب
قالوا المحطة الجديــدة .... حــررعليـــها العقـــارب
تحظى بمصر السعيدة .... عندك فى أرض المغارب


و يقول :

إن كان ع السجن دخلنا  .... و ان كـــان ع الملح أكلنا
و الصوم نحلناه و نحلنا .... خللى اللى فاضل لرجالها



و غيره الكثير و الكثير من الأزجال التى تفيض شوقاً و اشتياقاً

و فى إحدى السفريات و هو منتقل من سوريا إلى جنوب إفريقيا وقفت السفينة فى بورسعيد و ساعده أحد ( البمبوطية ) هناك لدخول مصر و يقول بيرم التونسي :

فى بور سعيد السفينة ....وقفت تفرغ وتملا
و البياعين حوطونا ..... بكارت بوستال وعمله
و بوليس المدينة .... ماتزوغش من جنبة نمله
يا بور سعيد و الله حسره ... و لسع يا اسكندرية
هتف لى هاتف و قال لى ... إنزل و من غير عزومه
انزل ده ساعة تجلى .... فيها الشياطين فى نومه
انزل ده ربك تمللى .... فوقك وفوق الحكومه
نطيت فى ستر المهيمن ... للبر يا حكمدارية

و استطاع أن يصل إلى القاهرة و هناك نزل فى لوكاندة الحاج سالم فكتب يقول :

نزلت فى مصر مستخفى فقير وأديب
دخلت لوكان
ـــدة مفتــــوحة لكل غريب
تعلق الحـــاج سالم نعمـــة الله حبيب
راجــــل معـــلم مكمل تربيــــة كتاتي
ب

سعى أصدقاء بيرم وعلى رأسهم الرائع/ كامل الشناوى لاستصدار عفو ملكى و نصحوه بنظم زجل جديد يعيد فيه الاعتبار للأسرة الحاكمة وكان بيرم قد هدته الغربة و سنوات النفى فاضطر للنزول على رغبة أصدقائه أن يكتب مدحاً فى الملك فاروق والأسرة العلوية كتب فيه:-


يا فرحتى يا هنايا .... رجعت فى عيد جلوسه
وكل قصدى و منايا ... أفرش له خدى يدوسه
و أخد تراب السرايا ... من تحت رجله أبوسه
بس الحكمدار و جيشه ... داير يفتش عليه


و يبدو واضحاً أثر النفى و التشرد على بيرم فى هذه الأبيات ليستطيع أن يحصل على العفو الملكى بين أحضان بلده و أولاده و أحفاده ...
إلا أن ثورة يوليو تقوم فى العام التالى و يشعر بيرم أن البلد تعود لأصحابها وأصبح وضعه السياسي و هو الذى حارب الفساد طول سنين عمره و ها هو الآن يمدح الملك  فكتب قصيدته الرائعة :ـ


مرمر زمــــانى يا زمـــــانى مرمر
ياللى سمعتم فى الإذاعــــة صوتى
دى مسأله فيها حيـــاتى وموتــــى
مطيبـــــاتى كنت و لا حانــــــــوتى
فى الفرح و الأحــزان باقوم متأجر


و فى ديسمبر 1960 م و بمناسبة عيد العلم يتم تكريم بيرم التونسي ومنحه وسام العلوم و الفنون ليرحل بعدها بأيام فى الخامس من يناير 1961م  متأثراً بداء الربو تاركاً وراءه تراثاً شعرياً و زجلياً خالداً و سيرة حافلة بالكفاح و التضحية فى سبيل الكلمة الحرة الصادقة و الجريئة.

-----------------------------------------
(**) ألقيت هذه المحاضرة بنادي أدب قصر ثقافة القباري يوم الخميس 13 أغسطس 2015

خالد هلال