الخميس، 19 يونيو 2014

الشعراء الأعزاء مدعو الثقافة

الشعراء الأعزاء / مدعو الثقافة ..
تحية طيبة و بعد ..

أولاً أحب أن أخبركم بأنني لا أكرهكم حد التعب و لا أمقتكم حد التوجس من ذكركم لذا فيسعدني أن أتوجه لكم برسالتي تلك عسى الله أن يلهمكم بأنكم أحد من كُتبت إليهم ..
ليس من الضروري ذكر أسماءٍ فهى معلومة للجميع و الجميع يدرك ذلك جيداً ، ألم يدرك المتنبي أنه سيد الشعر و الشعراء ؟!
و كذلك أدرك أبو العلاء أنه أحكم من كتب ؟!
و ربما أدرك دنقل تمايزه و اختلافه ...
و ها أنا أدرك أنكم معشر الشعراء تدركون أنفسكم حقيقةً و تنزلونها منزلتها الواجبة .. و لكن أمام المرآة أيها المزيفون.

قطعاً ليس جميعكم مزيفون .. لكنهم يعرفون أنهم كذلك و يغضون الطرف ليرتدوا أقنعة الحقيقيين و كي ينفرطوا بيننا ليمارسوا شعوذاتهم على الصغار و المأفونين محاولين بذلك اتخاذ دور ليس لهم في مجتمع بالفعل يكتظ بالحشرات ..

و حتى لا يعتقد البعض أنني أتهم الجميع بالتزييف و الادعاء أو أنني أمارس تزييفاً موازياً لتزييفهم كان لزاماً عليَّ أن أخبركم بآليةٍ بسيطة تكتشفون بها أنفسكم ..
ربما نسميها تجربة اختبار المعدن الشخصي للمثقف و التي نرجو من ورائها الحصول على نتيجة من اثنتين ؛ أنا مزيف أو أنا حقيقي

عليك بقراءة رواية "مائة عامٍ من العزلة" لماركيز ، و هى الرواية الأشهر لكاتبها و مترجمة للعربية أكثر من مرة و طبعاتها متعددة و سهل الحصول عليها لذا لن تكون هناك مشكلةً في تطبيق اختبار المعدن الشخصي للمثقف .. ثم بعد أن تقرأها قم بحساب الفترة الزمنية التي استغرقتها لذلك .. قم بقراءتها ثانيةً و افعل نفس الشئ تجاه الزمن المستغرق للقراءة الثانية ..

فإذا كانت قراءتك الثانية استغرقت زمناً أقل من الأولى فأنت مزيف لا محالة !!
ثم أجب عن الأسئلة التالية لتتأكد من أنك مدعٍ .. كم شخصية في الرواية تسمى "أركاديو" ؟ و كم مرة ذكر اسم "أركاديو" بالرواية ؟ و كم مشهد جنسي ضمته الرواية بين دفتيها ؟
إذا استطعت أن تجيب بدقة على الأسئلة السابقة أو حتى دارت بخلدك و أنت تقرأها للمرة الثانية فتأكد أنك مزيف .. مزيف .. مزيف!

الحقيقي يا سادة يرى ما لا يراه الآخرون .. و يغنيه كتابه عن التسكع أمام الندوات و المقاهي و شراء المريدين بالإطراء الرخيص .. الحقيقي يا سادة و باختصار شديد يلمع في الضحى ..
لقد سئمت من اعتلائكم منابر المثقفين و سئمت من القطعان التي تتبعكم و سئمت من الثقافة ذاتها التي تعجز أن تطردكم من حظيرتها و يكفيكم من شعارات أنكم تعاملون الناس بالحب ..
أي حبٍ في ذلك التضليل تدعون ؟ .. ثم أي حبٍ تمارسون ؟
أما آن الأوان أن ترحلوا في صمتٍ ؟
أم أنكم تريدون الوقوف أمام مرآة الحقيقة ؟
لا مفر من الحقيقة إذن ..


أحمد حنفي

الاثنين، 9 يونيو 2014

هشام دياب و المحروسة (1)


هشام دياب و المحروسة (1)


بقلم / أحمد حنفي


يقدم الشاعر هشام دياب شعرية حقيقية نستطيع تلمس خطاها منذ الوهلة الأولى لقراءته غير أنني لن أكون مبالغاً إن وصفت هذه الشعرية بالشعرية المغايرة لكل ما هو مطروح .. و يكفي للمدقق أن يستعرض خارطة القصيدة العامية بمصر من أقاصي الشمال لأقاصي الجنوب ليعرف أن الشاعر المتميز هشام دياب يقف منفرداً و مستحوذاً على منطقةٍ شاسعة شديدة الخصوبة يصدر من خلالها ليغزو الشعر من كل اتجاه .. و هو على الرغم من ذلك لا يرى ما حققه مقنعاً .. فإلى أي مدى سيفاجئنا دياب في الأيام القادمة ..
و الحق أقول لكم أن شاعراً ما لو توافرت له نصف شاعرية هشام دياب و ربع ثقافته و نذراً يسيراً من أفكاره الطازجة و زمرة من الأصدقاء بالقاهرة لكان الآن ملء سماواتها و لياليها .. تلك القاهرة المقيتة التي لا تعرف الفضل إلا لمن يضاجع شوارعها في المساء و يدلف أبواب مسئوليها في الصباح .. فما بالكم بأبواب مسئولي الثقافة بها !
و لمن لا يعرف هشام دياب سأحدثكم عن بعضه .. فأنا لا أعرف سوى بعضه .. بل أحسبه لا يعرف هو عن نفسه سوى القليل ..
واحد من جيل التسعينيات بالإسكندرية و التي ينتمي لأحد أقدم أحيائها و أعرقها و أقربها لقلب مدينتنا ، كرموز تلك البقعة العجيبة و بالقرب من عامود السواري كانت البداية ، فشوارع الحي العجوز لا تنم إلا عن حيوية متدفقة يبدو أن مصدرها من دماء ساكنيه و الذين تبك وجوههم بالحيوية و الأمل .. و يبدو كذلك أن موقع كرموز المتوسط لأحياء المدينة القديمة كان عاملاً هاماً في تشكيل الوجدان الإبداعي و الشعري خاصةً لأبنائه و لم يكن هشام دياب سوى أحد هؤلاء الذين يفيضون حيوية و سخرية بخفة ظل أبناء البلد ..

الشاعر / هشام دياب


و ربما كان لكرموز حظها من مجاورة حي كفر عشري المتاخم لها مسقط رأس عبد الله النديم شاعر و خطيب الثورة العرابية و رائد فن الزجل و أبرز أعلامه بلا منازع و كذلك عاش بها الشاعر الكبير عتمان حلمي مؤسس جماعة شعراء الشلال بثلاثينيات القرن المنصرم .. هكذا كانت روح الشعر تجوب الأرجاء ..
حتى عندما انتقل هشام دياب لحي القباري ــ بالورديان تحديداً ــ لم تفارقه أرواح الشعر الهائمة و التي ترعى محبيه فهو الحي الذي كان يقطنه الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري و شيخ شعراء الإسكندرية المحجوب موسى و الشاعر الراحل أحمد محمود عرفة.
عرفت هشام دياب من قصر ثقافة الأنفوشي و الذي بدأ به أول رحلته للشعر و الذي يقع أمام حارة السيالة مسقط رأس بيرم التونسي ليكتمل عقد أرواح الشعر الهائمة و التي تحلق فوق هامته لتجعله أحد أهم أعلامها.
و كما لم يقنع الشاعر الشاب بموهبته لم يقنع بثقافته فراح منكباً على كتب التاريخ و الشعر و الأدب و الفلسفة و النقد و الدين .. راح ينكب على كل ما يقع تحت يديه مما نسميه كتاباً ليختفي و يعود و يختفي و يعود و في كل مرة يعود لنا فيها نكتشفه من جديد و يبهرنا حتى لحظة كتابة تلك السطور.
إنه لمن المدهش و من العجيب في آن أن يكون هشام دياب و هو يشارف على الأربعين بعد سنوات قلائل ألا يكون له منجز شعري مطبوع .. ذلك أن القاهرة لا تحتفي إلا بمهرجيها و الإسكندرية عروس البحر ترقد في محارتها تنتظر الإسكندر كي يسلمها لبارات شارع الهرم.