السبت، 6 مايو 2023

سينما| الانتهازية والتواطؤ سمات المعالجة السطحية في فيلم (أخويا) لساندرا نشأت

الانتهازية والتواطؤ سمات المعالجة السطحية في فيلم (أخويا) لساندرا نشأت


كتب/ أحمد حنفي


قدمت المخرجة ساندرا نشأت فيلمًا قصيرًا عبر منصة Netflix من بطولة أحمد عز وصلاح عبد الله وبسنت شوقي، والفيلم يستعرض العلاقة بين بطل الفيلم (أحمد عز) وأخيه الصغير والذي يعاني من متلازمة داون، حيث لجأ إلى حيلة مفادها أنه سرق بقرة صغيرة (سماح!) يملكها العمدة (صلاح عبد الله) من أجل مساعدة أخيه من الزواج من بنت العمدة (بسنت شوقي) والتي تعمل مدرسة! وينجح في ذلك عبر تسليم البقرة سماح إلى أخيه ليعيدها للعمدة وتقاضي المكافأة المالية التي رصدها لذلك وهي مبلغ خمسين ألف جنيهًا! ومن ثَمَّ الزواج من بنت العمدة وإصلاح الخلاف العاطفي بينهما.

 يقدم الفيلم معالجة سطحية، وساذجة، وسلبية لذوي الهمم، يريد أن يظهرهم كأشخاص عاديين، وأنه يجب أن ننظر لهم على ذلك النحو. بالطبع، فإن الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون، وخاصة الأطفال، يجب أن نُحسِّن نظرتنا نحوهم، خاصة من أقرانهم، الأطفال، الذين يتنمرون عليهم انطلاقًا من سلوكيات طفولية غير مسئولة، وناتجة عن عدم التوعية المجتمعية لهؤلاء الأطفال، وذويهم، لكنها، على العموم، ظاهرة إنسانية، ومنتشرة بدرجات متفاوتة في كل المجتمعات على اختلاف مستوياتها الحضارية.

الفيلم قدم صورة سلبية ومعالجة سطحية للظاهرة كما ذكرت سابقًا؛ فالعمدة، ذلك الريفي، بدا عاطفيًّا إلى درجة شديدة التكلف، بل كان أقرب إلى نمط الرجل غير المسئول، خفيف العقل، وهو ما يتنافى مع منصبه كعمدة يجب أن يحظى باحترام وتقدير أهل قريته؛ فعندما يعلم باختفاء بقرته الصغيرة (سماح)؛ يرتبك بشدة، ويُسيِّر العربات التي تجوب شوارع القرية للبحث عنها والإعلان عن مكافأة مالية مقدارها خمسين ألف جنيهًا لمن يُعيدها إليه! ولم ينسَ تهنئة أهل القرية بعيد الحب! مما جعله نموذجًا إنسانيًّا غير مطروح في الواقع، وهو ما أفقد الفيلم جزءًا، لا بأس به، من صدقه الفني.

العلاقة العاطفية المتوترة بين بطل الفيلم (أحمد عز) وبنت العمدة (بسنت شوقي)، والتي لا نعلم سببها، دفعت الأخ الأصغر الذي يعاني من متلازمة داون أن يضع خطته لسرقة (سماح) وإخفائها في برج الحمام كي تكون سببًا في إرجاع المياه إلى مجاريها، إنه تفكير طفولي، أليس كذلك؟ لكنه ليس تقويميًّا أيضًا. إنه أشبه بفكرة تقديم دوافع نبيلة لتبرير عمل غير نبيل، وهو السرقة. تلك الصورة السلبية لأطفال متلازمة داون، في اعتباري الشخصي، إساءة تقدير بالغة من صُنَّاع الفيلم، يجب الاعتذار عنها؛ فالفيلم لم يُقدم مناقشة جادة، وموضوعية، ومسئولة عن مشكلاتهم كما فعل (روبرت زيميكس) في فيلمه التراجيكوميدي FORREST GUMP والذي لعب بطولته (توم هانكس) وهو المأخوذ عن رواية (ونستون جروم) والتي حملت ذات الاسم. بالطبع، نعي الفارق بين الفيلم الروائي القصير والفيلم الروائي الطويل، ولكننا، في النهاية، نتحدث عن المعالجة، والتي تصلح كزاوية للمقارنة لذلك النموذج الإنساني.

الفيلم لم يستند إلى نص أدبي، بل إن مؤلفي الفيلم رفيق مرقص وفادي أكرم قدما تصورًا للأحداث لا ينتمي لواقع القرية المصرية، ولا لطابعها الاجتماعي، والطبقي. كما ظهرت بنت العمدة كشخصية متواطئة؛ حيث علمت بخطة طفل متلازمة داون في سرقة (سماح) ولم تتعاطف لحال أبيها، بل شاركت بصمتها في تلك المؤامرة وارتضت لحبيبها بتقاضي مبلغ المكافأة والزواج منه! كما بدا الأخ الأكبر انتهازيًّا ومتواطئًا أيضًا.

ملمح سلبي آخر؛ حيث لجأ الأخ الأكبر إلى مواجهة التنمر الواقع على أخيه من بعض أطفال القرية الأسوياء بتنمر آخر منه؛ حيث قام بتعنيف أحد الصبية بشد أذنه، لقد واجه التنمر بالتنمر، والعنف بالعنف، في مشهد تحريضي حين طلب من ذلك الطفل الاعتذار لأخيه تحت ذلك الفعل التهديدي! وهي رسالة يجب تغييرها، بل كان من اللائق أن يقدم صانع الفيلم، طالما أراد لفيلمه أن يحمل رسالة توعوية، آلية يوصل بها لهؤلاء الأطفال الأسوياء أن يعاملوا أخاه بطريقة حضارية دون أدنى تهديد يذكر، أو إيذاء بدني، أو نفسي؛ فتقويم السلوك يكون بالإقناع وليس بالتهديد؛ كي يُنتج ثمرته المرجوة، وأن يكون سلوكًا دائمًا، وليس لحظيًّا لتفادي العقاب.

في النهاية، وبعيدًا عن أي نظرية مؤامرة، فقد بدا الفيلم باهتًا، بإيقاع بطيء لا يتناسب مع زمن عرضه، وبمعالجة سطحية، تجعلنا نطمح من القائمين على صناعة السينما بإنتاج أفلام أخرى قصيرة عن أطفال متلازمة داون، تكون أكثر جدية، وموضوعية، وقريبة من الواقع المجتمعي المصري، وهو دور تضطلع به جهات إنتاجية مصرية، وليست منصات أجنبية ذات أهداف ربحية، أو أي أهداف أخرى غير معلنة.

الأربعاء، 8 مارس 2023

جدلية الخلود والفناء.. سارة عودة تحصد المركز الأول في النقد الفني التشكيلي من جائزة مؤسسة فاروق حسني

 

جدلية الخلود والفناء

بحث يجيب عن تطور موضوع الموت تشكيليًّا في الفن المصري قديمًا وحديثًا

سارة عودة تحصد المركز الأول في النقد الفني التشكيلي من جائزة مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون- الدورة الرابعة 2023

 

كتب: أحمد حنفي

حصدت الفنانة والناقدة التشكيلية (سارة أحمد حسن عودة) جائزة المركز الأول ودرع مسابقة مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون فرع النقد الفني التشكيلي في دورتها الرابعة عن ورقتها البحثية (جدلية الخلود والفناء- تطور موضوع الموت بين الفن المصري القديم والفن المعاصر، عبد الهادي الجزار وصبري منصور نموذجًا) وذلك في حفل توزيع الجوائز والذي أقيم في مركز الجزيرة للفنون مساء 7 مارس 2023 بافتتاح معالي الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، ومعالي الفنان فاروق حسني رئيس مجلس أمناء المؤسسة ووزير الثقافة الأسبق.

معالي الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة ومعالي الفنان فاروق حسني

وبحضور السادة أعضاء مجلس الأمناء، ومنهم الكاتب الكبير محمد سلماوي، والدكتور زاهي حواس، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، والدكتور مصطفى الفقي، وبمشاركة مئات الفنانيين الشباب الذين تأهلوا للمعرض في فروع التصوير، والنحت، والعمارة، والتصوير الفوتوغرافي، إلى جانب النقد الفني التشكيلي.

الفنانة التشكيلية والناقدة سارة عودة
الفنانة التشكيلية والناقدة سارة عودة


الفنانة سارة عودة حاصلة على بكالوريوس الفنون الجميلة من جامعة الإسكندرية، وتكمل مسيرتها العلمية حاليًا بالدراسات العليا بأكاديمية الفنون بالمعهد العالي للنقد الفني بالإسكندرية قسم النقد التشكيلي.

وعن البحث الفائز بالمركز الأول في مسابقة مؤسسة فاروق حسني والذي جاء ليرصد تطور موضوع الموت بين نظرة الفنان المصري القديم والفنان المصري المعاصر، حيث طرح البحث سؤالاً: "إلى أي مدى تطور مفهوم الموت بين الفنان المصري القديم والفنان المعاصر؟ وذلك استنادًا إلى تأثير الفن المصري القديم على اثنين من الفنانين المعاصرين، وهما عبد الهادي الجزار، وصبري منصور.

إن جدلية (الخلود والفناء) تمثل ثنائية متعارضة غير محلولة في جميع الحضارات، ومن هنا، يحاول البحث رصد تطور مفهوم الموت تشكيليًّا في الفن المصري المعاصر من خلال منهج مقارن نعرض فيه لمعالجة المباحث التالية: مفهوم الموت عند المصري القديم عقديًّا، أثر مفهوم الموت على الفن المصري القديم تشكيليًّا، مفهوم الموت عند عبد الهادي الجزار، مفهوم الموت عند صبري منصور". ]كتاب المعرض، ص84[

استعرضت (عودة) مفهوم الموت عند المصري القديم على أنه امتداد للحياة وليس نهاية له، وبالتالي، فقد انعكست تلك النظرة على الفن عند المصري القديم؛ حيث أصبح الفن لديه إلى جانب كونه فنًّا جماليًّا فقد حملَ في جوهره جانبًا وظيفيًّا يتعلق بالتعبير عن المعتقدات الصارمة بعيدًا عن ذاتيته، فتخلى عن المنظور، وجاء فنه مجرَّدًا من الزمن ليدل على طبيعته السرمدية والخالدة فيما أسمته (إيما براونر- تراوت) بالفن غير المنظوري وهو الفن الذي يعبر عن حقيقة الموضوع كما هي عليه، وكما سوف تظل باقية عليه، وهو ما رأته (عودة) "تأثيرًا مباشرًا لموضوع الموت على أسلوب التعبير الفني عند المصري القديم حيث فكرة الخلود والأبدية، والتعبير عن الحقيقة مجردة من عنصر الزمن". ]كتاب المعرض، ص87[


ثم تناولت الورقة البحثية الفائزة مفهوم الموت عند اثنين من علامات التصوير المصري الحديث، هما: الفنان الراحل عبد الهادي الجزار (1925- 1966)، والفنان صبري منصور (1943- ...)، حيث تناولت (عودة) بعض لوحات (الجزار) المرتبطة بموضوع الموت عنده، وهي لوحات: المجنون الأخضر، النذر، عالم الموتى، القيد والزمن.

وذكرت كيف أسهم (الجزار) في تطوير الموتيف الفرعوني، وكيف مزجه بالموروث الشعبي مما صبغ أعماله بالرمزية، مُبيِّنةً أثر اعتلال قلب (الجزار) وخطورة مرضه والذي كان سببًا في إحساسه الدائم باقترابه من الموت، مما دفعه إلى طرحه كموضوع في لوحاته. وتخلص في النهاية أن (الجزار) نظر للموت على أنه فناء وانتهاء، وليس امتدادًا للحياة، عكس نظرة الفنان المصري القديم، وبالرغم من ذلك، جاء فنه شديد التأثر بالفن الفرعوني، كأنه يتحاور معه، رؤية في مواجهة رؤية.



أما موضوع الموت عند (صبري منصور) فقد تناولت (عودة) بالدرس والتحليل بعض لوحاته، وهي: ترانيم مصرية، زيارة لمعبد قديم 1، زيارة لمعبد قديم 2، بكائية الهرم 3.


وعن رؤية (منصور) الفنية للإنسان، تقول (عودة): "تظهر رؤيته للإنسان مجردًا من الحدود المكانية والزمنية، وتحتوي على رموز متنوعة؛ فنرى رموز الثقافات الفرعونية، والقبطية، والإسلامية، فتختفي الدلالات المباشرة مما يجعل من موضوع الموت عابرًا للثقافات، وممتزجًا برؤيته لتطور الموضوع عبر العصور، فيتسع التأويل لإيحاءات يكتنفها الغموض الملائم لغموض موضوع الموت لديه". ]كتاب المعرض، ص96[

وعن تخليه عن مهارات المنظور والنسب التشريحية للأشخاص؛ فترى أن مرد ذلك إلى إحساسه الخاص بغموض مفهوم الموت باعتباره أمرًا غيبيًّا لم يختبره، فضلاً عن عدم صدوره عن معتقد كونيٍّ صارم كما كان ينظر الفنان المصري القديم، وبالتالي، فقد عبَّر عنه على اعتباره ظاهرة غامضة.



وخلصت الورقة البحثية إلى عدة نتائج، أهمها أن المصري القديم اهتمَّ بحيزه الاجتماعي في فنه، بينما انشغل الجزار ومنصور بإبراز الحيز النفسي، والوجودي، والثقافي. وبينما غيَّبَ المصري القديم ذاتيته للتعبير عن حقيقة الموضوع كانعكاس لفكرة الخلود؛ أعلى (الجزار) و(منصور) الجانب الذاتي لبيان المفهوم الخاص لكل منهما تجاه موضوع الموت، فكان تعبير عن الفناء لدى الجزار، والغموض عند منصور. وكان من أثر تدخل ذاتية (الجزار) في الموضوع أن تحوَّلت دلالة اللون الأخضر في لوحاته للتعبير عن الموت والفناء كبديل عن الخلود كما عند المصري القديم، وتعطَّلَت التمائم والرموز عن مفعولها في منع الحسد والسحر لديه، فكانت نظرته لمَن يطلب الخلود على أنه مجنون.

معالي الفنان فاروق حسني


وقد أعربت (عودة) عن سعادتها الكبرى بالفوز بالمركز الأول وسط كوكبة مرموقة من الباحثات الأكاديميات، خاصة وأن تلك هي المرة الأولى التي تشارك بها في مسابقة، كما أعربت عن تقديرها لمؤسسة فاروق حسني والتي غدت في غضون سنوات قليلة تمنح أهم وأكبر جائزة مصرية في الفن التشكيلي ونقده موجهة للشباب، كما أعربت عن تقديرها للدور الريادي الذي يلعبه معالي الفنان فاروق حسني منذ أن كان وزيرًا للثقافة حيث ساهم في تشكيل وجدان جيلها والأجيال التي تسبقها بمشاريعه الثقافية الكبرى التي رعتها وزارته وأهمها وأعظمها مشروع مكتبة الأسرة.