فضاء للذات تلمسه

تلك هي مساحتي التي أكتبُ فيها بحريةٍ .. إنها الفناءُ الخلفيُّ للقلبِ .. مرتعٌ للروحِ .. و تنفيسٌ للقلم .. إنها مساحة أحمد حنفي الخاصة .. و الخاصة جداً



"أحمد حنفي"

بطةٌ ريفيةٌ

شعر / أحمد حنفي

إنها تُشبه النِّساءَ الصينياتِ ..
اللاتي يضعنَ حقيبةً ضخمةً على ظهورهنَّ
يحملنَ فيها العالم ..

***

كالحةٌ ..
تلك الوشوش الصَّلدة
إنها تبدو لك في كلِّ يومٍ هكذا

***

جلسَت إلى جواري ..
و لم أكن أعلمُ وقتها أنَّ الشَّمسَ ..
تُرسلُ سناها داخل الغُرفِ المغلقةِ ..
و لم أكن أعلمُ ..
أنَّها تحملُ على ظهرها كلَّ مشاعرها الصَّاخبةِ ..
كامرأةٍ صينية

***

إنَّها تبيعُ جلدها للعيونِ
و لا تعرفُ من الكتابِ ..
سوى الفاتحة و الصمديَّة
لكنها – كما تقولُ –
تُصلي ..
و تصومُ ..
في رمضان فقط

***

المرأةُ الصينيةُ ..
تعودُ لحملِ حقيبتها بعد أن فشلَت ..،
في أن تبيعني شيئاً ..
لكن الدَّأبَ الصينيَّ
يجعلها تعودُ إليَّ في كلِّ صباحٍ ..
لتحاول

***

الإنسانُ المدرَّبُ وحده ..
يستطيعُ التفريقُ بين البطِّ الريفيِّ
الذي يعرفُ طريقَ الترعِ جيداً
و يعودُ بمفرده وقت الغروبِ
إلى عشته الرَّثة
دون تعبٍ أو ملل
و بطِّ المدينة التائه في أنحائها
و إنها ..
كبطةٍ ريفيةٍ ..
تعودُ لقلبي
حين تُعلنُ الشمسُ انسحابَها الهاديءَ
من الأزرقِ العريض

أحمد حنفي

الإسكندرية – 5 ديسمبر 2007


يتثاقلُ .. قدرَ ما بيننا
شعر / أحمد حنفي

هذه الفتاةُ ..
بضفيرتها الفاحمةِ ..
تتطلَّعُ لكتفي ..
تتسلَّقني ..
ثمَّ تمضي ..،
فاتحةً ساقيها ..
للبراحِ
* * *
ها هي الإسكندريَّةُ ..
تلك التي رافقتها منذ بعيدٍ
تشعلني الآن ـــــ كسيجارةٍ مهرَّبةٍ ـــــ
و تغمسني في كأسها ـــــ البحرِ ـــــ
و تشربُ على نغماتِ "بلادي .. بلادي"
كأسَها المتخثِّرَ منذُ بعيدٍ
* * *
كن مطمئناً جداً جداً
و لا تُفكِّرُ في الأمرِ كثيراً
* * *
إنها تترنَّحُ في خطوها ..
كطفله
تسبحُ ابتسامتُها بين صدورِ العابرينَ ..
كطفله
تُقطِّعُ أوراقَ مُذكِّراتها ..
كطفله
تسرقُ عُيونَ المحيطينَ ..
كطفله
لكنها تلمسُني ..
كأنثى ناضجه
فلماذا تُمزِّقني حين وقفنا على طرفيِّ العالمِ ..
كطفله
* * *
كيف أُحبُّ الإسكندريَّـةَ ..؟!
و هي التي ـــــ و بغرابةٍ شديدةٍ ـــــ
اطَّرحتني ..
و لم تشأ حتى أن تُعلِّقني على أبوابها
كأحدِ أبنائِها المارقين
تلك المدينةُ التي شهدت بَكارةَ صوتي ..
ترفضُ مجرَّد السَّماعَ لدفاعي
حتى ذلك البحرُ الذي لطالما أودعته حزني
ألقاه في وجهي ..
أصبحَ البحرُ يبصقُ في جبهتي
كنتُ أظنُّ الإسكندريَّـةَ صاحبتي ..
أتحسَّسُ أعضاءها في شوارعها المظلمةِ
و أذوبُ ..
على صوتِ تنهيدتِها ـــــ البحرِ ـــــ
كنتُ أعلمُ أنني لستُ أوَّلَ مَن تحسَّسها
فلماذا ترفضني الآنَ و قد قبَلتها طوعاً ؟!
أصبحَت فجأةً تُطالبني بالثمنِ ..
و بالعشاءِ الرخيصِ ..
مقابل قبلتِها الخاطفه
* * *
ليس بيننا الآن مسافاتٌ
لكنَّ ما بيننا ..
أرجوحةً ..
و مهداً ..
و ملابسَ طفلٍ ..
بيني و بينكِ الإسكندريَّـةُ / العاهره
تلك التي أطلقت شعرها للبحرِ
و استلقت عاريةً لمرفئها ..
تُداعبها السُّفنُ القادمةُ ..
مُنزلةً زبدَ البحرِ في رعشتِها المموَّجه
بيني و بينكِ سماءٌ ..
و بحرٌ ..
و صوتُ فيروزَ ..
آهِ ..
لم أكن أعلمُ ـــــ منذُ قريبٍ ـــــ أنَّ المسافاتِ
لا يُقاسُ بها البعدُ
إنَّما ..
يتثاقلُ البعدُ قدرَ ما بيننا.

أحمد حنفي
الإسكندرية – 28 نوفمبر 2008

القطوف التي تدلَّت

شعر / أحمد حنفي

القطوف التي تدلَّت .. تُسدلُ ستارَ الجوعِ

القطوف التي تدلَّت .. أيقنت بالموتِ على حافةِ أسناني

القطوف التي تدلَّت .. تراوغني بالمرارةِ

القطوف التي تدلَّت .. تستبينُ النهايةَ

القطوف التي تدلَّت .. لا أحتملُ حرارةِ أنفاسها

القطوف التي تدلَّت .. ازدانت على المائدةِ

القطوف التي تدلَّت .. تصطكُّ أسنانُها بأسناني حين أقضمها مستعراً

القطوف التي تدلَّت .. تفيضُ بالحلاوةِ و الملوحةِ

القطوف التي تدلَّت .. تستكينُ على عنقي كقطَّةٍ

القطوف التي تدلَّت .. لم تزل تستكينُ على عنقي كقطَّةٍ

القطوف التي تدلَّت .. تتدفَّقُ منها الحياةُ و لما تزل تستكينُ على عنقي كقطَّةٍ

القطوف التي تدلَّت .. يتسرَّبُ منها دفقٌ حين ألمسها

القطوف التي تدلَّت .. تنبتُ قطفاً جديداً

القطوف التي تدلَّت .. تمتزجُ بالشرابِ كقطعةٍ من البرونزِ المصقولِ

القطوف التي تدلَّت .. تُشعرني بجوعٍ سرمديٍ

القطوف التي تدلَّت .. أتركها و أنا جائعٌ مرغماً

القطوف التي تدلَّت .. لا تذبلُ أبداً

القطوف التي تدلَّت .. تتدلَّى على عنقِ جائعٍ آخرٍ كقطةٍ

القطوف التي تدلَّت .. تدلَّت


أحمد حنفي




يحملُ قنينةً من صهيل

شعر / أحمد حنفي

الفارسُ
يتناولُ أغنيةً من جعبته المدلَّاةِ على سرج فرسٍ
و يلقمها لصحراءٍ نبيلةٍ
لا تطمس وقعَ خطاهُ
و قنينةً.

الفارسُ
يضاجعُ صبَّارةً كلّ ليلةٍ
يتماهى جلدُه بالشوكِ
و لذَّتُهُ رعشةٌ للفضاءِ
و قنينةٌ.

الفارسُ
ضلَّ في التفاتةٍ فرسَه
عادَ يدفعُ عن قلبه عبثَ الشمسِ
و لكنه انكفأ حين رفعت صبَّارتُه ساقيها
و أرسلَ رعشتَه للفضاءِ
و قنينةٍ.

الفارسُ
يجلسُ كلَّ مساءٍ
يحملُ قنينتَهُ
ليملأها بالصهيل.



أحمد حنفي

هناك تعليق واحد:

  1. تلك هي مساحتي التي أكتبُ فيها بحريةٍ .. إنها الفناءُ الخلفيُّ للقلبِ .. مرتعٌ للروحِ .. و تنفيسٌ للقلم .. إنها مساحة أحمد حنفي الخاصة .. و الخاصة جداً



    "أحمد حنفي"

    ردحذف