الثلاثاء، 24 مارس 2015

لماذا لا أقرأ لحسن الجندي

لماذا لا أقرأ لحسن الجندي؟


بقلم / أحمد حنفي


منذُ فترةٍ ليست بالبعيدة طالعتنا دور النشر المختلفة بسيلٍ من الروايات لكتَّابٍ شبابٍ انقسم حولهم المتلقون ما بين مؤيدٍ مثَّلهم جيلٌ شابٌ لمّا يزل يتشكل معرفياً ووجدانياً، خبرته بالقراءةِ لم تتخطَ البدايات ورؤيته قاصرة لا تقدم حكماً نطمئن إليه، ومعارضٍ مثَّلهم الكتّابُ والمثقفون والنقاد.

والحقُّ أقول لكم أنني لم أكن من بين صفوف المؤيدين ولم أنتظم بسلك الرافضين، بل انتحيتُ جانباً أطالع روايات وقصص ومسرحيات من هم أمثال يوسف إدريس وإبراهيم أصلان وسعد الدين وهبة وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والمنسي قنديل ورضا إمام وعبد الحكيم قاسم وغيرهم العديد والعديد، أمارسُ تلك القراءات وأنا سعيدٌ تماماً بما أفعل, كما هو حالي تماماً مع الشعر والنقد واللغة، وأنا من الذين يؤمنون بالتراسل بين الفنون فأجدُ صورةً لغويةً وسرديةً رائعة لدى نجيب محفوظ في ثلاثيته يصفُ فيها (أمينة) زوج (السيد أحمد عبد الجواد) أقفُ أمامها مندهشاً فاغرَ الفمِ لما له من ملكةٍ على الوصف والسرد بلغةٍ راقيةٍ لأخرج من بعدها صارخاً في وجه صنَّاع الفيلم ونجيب نفسه قائلاً: (خدعونا يا أمينة أيتها الجميلة البضة)

وكنتُ كل فترةٍ أتسائلُ ماذا قدَّم هؤلاء الكتّاب الشباب؟ ماذا أضافوا؟ أتسائلُ عن رؤيتهم و زوايا تناولهم لموضوعاتهم؟ وعن حظهم من فنيات السرد والقص؟ وعن لغتهم المنوط بها توصيل رسالتهم؟ أتابعُ من بعيدٍ وأتوخى ألا أنزلق في سيلٍ قد يعرقل متعتي, أعترفُ أنني كنتُ مخطئاً، ولكن لماذا أنا مخطئ؟!

بدأتُ الولوج لهذا العالم من الكتابات الشابة على يد صديقي (محمد عبد اللطيف) الذي كان –ولما يزل- معجباً بتلك الكتابات خاصة تامر إبراهيم، قرأت له بضع قصصٍ من مجموعته (حكايات الموتى) إنها تحققُ متعةً لحظيةً ولا تناقشُ شيئاً، منزوعة الرؤية واللغة والأسلوب، تماماً كالجبن منزوع الدسم، وأكيدٌ أننا لا نود أن نمارس ذلك (الرجيم) القاسي حال ما يتعلق الأمر بغذاء العقل والروح، مما دفعني لعدم الاقتراب لرواياته مثل (صانع الظلام) و(الليلة الثالثة والعشرون) فضلاً عن أنه لا يقدم رعباً أصلاً كما يدعي وكما يظن جمهوره الغض البدائي تجربةً ووعياً.

اتخذتُ قراراً واخترتُ الرجوع إلى ما كنت عليه، بيد أن صديقي (عبد اللطيف) راح يصف لي مدى ما يتسمُ به (حسن الجندي) من روعةٍ في الأسلوبِ، وانسيابيةٍ في السردِ، وغرابةٍ في الطرح، وتوقفتُ عند مصطلح الغرابة لأتذكر كتاب الدكتور شاكر عبد الحميد –وزير الثقافة الأسبق-(الغرابة – المفهوم وتجلياته في الأدب) وحدَّثتُ نفسي أن حكمي على جيلٍ كامل من خلالِ أحد عناصره لابد وأن يكون خاطئاً؛ إذ لا منهجية في ذلك الحكم.
حتى مررنا بشارع النبي دانيال أقدم شوارع الإسكندرية على الإطلاق نطالع عناوين الكتب أنا وصديقي المفضل (عبد اللطيف) وتوقفنا عند أحد أكشاك البيع لصديق لنا اسمه (أسامة) اعتادَ أن يمنحنا خصماً خاصاً للمعرفة القديمة – أصيل (أسامة)!




انتفض (عبد اللطيف) واشترى ثلاثية (حسن الجندي) المسماه (مخطوطة ابن إسحاق) مدينة الموتى – المرتد – العائد؛ سيما بعد الإقبال التاريخي إن شئت، أو الخرافي إن أحببت أن تنعته على الجزء الثالث بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورة 2015 و بعد أيامٍ قلائل جاءني (عبد اللطيف) وقد أنهى قراءة الجزء الأول (مدينة الموتى) مما أثار إعجابي خاصة وأنني كنت قد أعطيته مجموعة (أرني الله) لتوفيق الحكيم من شهرٍ تقريباً ولم يرجعها حتى الآن!!

دفعني الفضول لأتناول منه (مدينة الموتى)، وبدأت أقرأها آملاً أن يغير حسن الجندي من قناعاتي السيئة عن جيلٍ شوَّهه في عينيّ تامر إبراهيم، فكانت انفعالاتي مزيجاً من الضحك والحسرة بآن وأنا أطالع مقدمة ما يسميه رواية – على سبيل المجاز – لم أقرأ سواها وكفى بقطرةٍ من الإناء لتفضحَ ما فيه.
وإليكم المقدمة كما وردت بالطبعة السابعة! عن دار اكتب ...

ظل الشاب مغمض العينين وهو يرتجف ومن جسده تخرج اهتزازات خفيفة دلالة على الخوف , أما من خلفه فقد تحرك ذلك الكائن الغريب وهو يتجه ناحيته.
كان الكائن متوسط الطول لا يرتدي شيئاً تقريباً , ولكن الغريب أن جلده كان مغطى بالكامل بالشعيرات الطويلة ، وفي أعلى رأسه وبين الشعيرات كان هناك قرنان صغيران يخرجان منه.
أما الشاب فكان يرتدي ملابس غريبة بعض الشيء لا تمت لهذا العصر.

ملامح ذلك الشاب غريبة ، تعطيك انطباعاً من أول مرة أنها ليست ملامح عربية , ربما كانت في وجهه لمحة من الوسامة لا تخفى على أحد، بالرغم من حدة وجهه والتصاق حاجبيه.

مشهد غريب جداً فالشاب يقف في غرفة خالية تماماً وهناك شمعة صغيرة بجانبه على الأرض، أما الشاب نفسه فقد كان مغمض العينين وقد أعطى ظهره للكائن , فهو لم ينسَ التحذير الذي سمعه قبل أن يحضر الكائن ، يجب عليه أن يغمض عينيه ولا ينظر خلفه أبداً في فترة حضور ذلك الكائن
كان الحوار يجري بينهم بلغة غريبة تشبه العربية ، أعتقد أنها الفارسية.

-  ماذا تريد أيها الطفل ؟

انطلقت تلك العبارة من الكائن ،  انطلقت بنبرات خافتة جعلت الخوف يسري في جسد الشاب الذي رد بنبرات مرتعشة :

-  أريد القوة , القوة المطلقة والأمان باقي حياتي.

أقترب الكائن من الشاب أكثر حتى أصبح على مسافة سنتيمترات منه ، ثم اقترب برأسه من أذنه وقال :
- إذا أردت القوة سنعطيك بعضها ، ولكن إذا أردت السيطرة فيجب عليك تقديم قرابين من البشر!

قال الشاب وهو يرتجف :
-  أوافق .

فقال الكائن :

-  إذن أدر وجهك لي ولا تفتح عينيك ،  ونفذ كل ما أقوله
لك.

***

والآن لماذا لا و لن أقرأ لحسن الجندي ...

لأنه لا يعرف أن من يرتجف ترادف معنى الاهتزازات الخفيفة الذي أردفه خلفها، ولأنه لا يعرف كيف يسرد الحالة الشعورية ويكتفي بالحل الأسهل البدائي ويصرح بكل سذاجة (دلالة على الخوف)، ولأنه لا يعرف أن الشعيرات ليست طويلة فهي تصغير شعرة، ولأنه لا يعرف أن التصاق الحاجبين دلالة على الوسامة تضيف لها ولا تأخذ منها، ولأنه لا يعرف أن من يهم بتحضير الجان لا يحدثه من خلف أذنيه لأنه ببساطةٍ يقف داخل دائرةٍ يسمونها دائرة التحصين، ولأنه لا يعرف أن الجان مخلوقٌ لا يوافق بسهولةٍ على السخرة مثله مثل غيره من الكائنات، ولأنه لا يعرف أن باللغة ما يسمى بالضمائر والتي من شأنها أن تمنع ذلك التكرار للفظة (الكائن) التي تكررت بكثافةٍ في المقطع الذي أوله (مشهد غريب جدا)،و لأنه لا يعرف أنه لا يوجد شبه بين الفارسية والعربية حيث تنتمي الأولى لعائلة اللغات الهند – أوروبية بينما تنحدر الثانية من اللغة الأم المفقودة والتي يشترك معها الآرامية والعبرية والحبشية، ولأنه لا يعرف كيف يصوغ جملته، ولأنه لا يعرف كيف يقيم حواراً.

فكل ما سبق يجعلني أقول باطمئنانٍ تام .. أنا لا أقرأ لحسن الجندي وتامر إبراهيم.


أحمد حنفي

الإسكندرية - 24 مارس 2015


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق