الخميس، 27 نوفمبر 2014

الأدب المهجري المعاصر (3)

الأدب المهجري المعاصر (3)


مقدمة عن الأدب العربي المهجري المعاصر
والمختارات الأدبية "أنثولوجيا"


الأستاذ لطفي حداد
 بقلم الكاتب: لطفي حداد





يغلب الطابع الإنساني (كالحنين ومحبة الوطن)، والقيم الفاضلة (كالحرية والانفتاح على الآخر)، على الأدب المهجري منذ نشأته في بداية القرن العشرين وحتى اليوم، رغم تغير التوزع الجغرافي للأدب وبروز الوجه العراقي بشكل واضح .

فإذا كان الأدب المهجري في السابق في القارة الأميركية بشكل غالب وبألسنة لبنانية وسورية ، فإنه حاليًا يتمركز في أوربا وبأغلبية عراقية.

هذا الأدب المهجري الحالي هو أدب منفتح على الثقافات الأخرى وناضج ومتحرر ومتفاعل مع الحضارات المجاورة.

ورغم غلبة السريالية في الشعر إلا أن هناك الكثير من التأثر بالرومانسية الفرنسية، والكلاسيكية العربية. أغلب الشعراء المهجريين الحاليين يكتبون نوعًا من القصيدة النثرية، وبعضهم يكتب قصائد موزونة " قصيدة التفعيلة" ، ونادرون من حافظوا على القصيدة العمودية.

أما الروائيون فما يزالون يكتبون عن الوطن والحنين، وعن المنفى والعزلة، وعن الحرب والموت والفشل، وقد تطور هذا الشكل الأدبي كثيرًا عن بدايات القرن العشرين وصار يزاحم بقوة الأشكال الأخرى خاصة الشعر. فالرواية العربية المهجرية شكل أدبي جديد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين بشكل أساسي. أما قبل ذلك فكان هناك محاولات بسيطة ومتواضعة مثل رواية «من المهد إلى اللحد» لأنطون شكور الذي كان يقيم في البرازيل. ورواية نظير زيتون «ذنوب الآباء». ورواية «في سبيل الحرية» لإلياس قنصل. وبعض المسرحيات مثل مسرحية «الآباء والبنون» لميخائيل نعيمة ومسرحية «ابن حامد» لفوزي المعلوف.
* * *
من خصائص الأدب المهجري الحالي موضوع الحرية والتحرر، بصياغات مختلفة متنوعة، وروح تقدمية منفتحة مصغية وإنسانية.
إن هذه القيم العميقة كالبحث عن الوطن والمعنى والحقيقة ، والشوق إلى الديمقراطية والعدالة والأخوة والمساواة ، بروح وطنية صادقة واحترام لحقوق الإنسان الأساسية، أقول إن هذه القيم سيكون لها طابعها الخاص وتأثيرها الإيجابي على الأدب العربي عبر العقود القادمة. وإن الألم الذي يعانيه الأدب المنفيّ سيكرّس هذه القيم للأبد في قلب تاريخ الأدب العربيّ.
الأدب المهجري أدب مهموس (كما يسميه الناقد الدكتور محمد مندور) لأنه عميق وواقعي ومرتبط بالحياة وليس فيه الخطابية والسطحية الثقافية.

ويقول جورج صيدح (أحد الأدباء المهجريين): لقد طبعت شمس الغرب ألوانها على أوراق الأدب المهجري.. أما لبّه فيحيا على إشعاع الشرق، وقلبه يختلج بنسمات الصحراء... ويجعل الموهبة الفطرية لا الثقافة هي مفتاح السرّ في تفوّق أدب المهجر، مع الجد والاجتهاد والتأمل العميق.

تنطبق هاتان المقولتان على الأدب المهجري الحالي بشكل واضح وصادق وتنطبقان على أدب المنفى العالمي بشكل عام ، لأن هذه الظاهرة الجديدة، أعني ظاهرة المنفى، لم تقتصر على العرب في العقود القليلة الماضية بل شملت شعوبًا كثيرة وبالتالي أدباء كثيرين.
* * *
الحياة المهجرية:

يعيش الكثير من الأدباء العرب في المهجر أو المنفى حياة صعبة ويضطرون للعمل في المطاعم والمحلات التجارية ومحطات البنزين لكسب المعيشة وتوفير ضروريات الحياة، وهذا مشابه إلى حد بعيد بوضع الأدباء المهجرين في أوائل القرن العشرين (كما نقرأ في كتاب «المغتربون» لعبد اللطيف اليونس، وكتاب «ذكرى الهجرة» لتوفيق ضعون).

بالمقابل هناك نجاحات المغتربين في كافة المجالات حيث عملوا في كل حرفة وأبدعوا في كل علم تمامًا كحال المهجريين الحاليين الذين حازوا على جوائز كثيرة في مجالات الأدب والاقتصاد والعلم.

لقد عاش المهاجرون في الماضي جماعات يكونون جاليات عربية ، ومن الناحية الأدبية كانت نيويورك في بداية القرن العشرين أهم الجاليات الأدبية. بالمقابل تشكل باريس ولندن حاليًا أهم المراكز الأدبية والثقافية العربية ، وليس هناك جالية عربية أدبية قوية في أميركا (باستثناء قليل من الأدباء الموزعين على الولايات الأميركية ولديهم علاقات عرضية فيما بينهم).

تغير أيضًا التوزع الجغرافي بالنسبة لأميركا الجنوبية حيث لا نجد حاليًا أي أديب يكتب بالعربية في كل القارة الأميركية الجنوبية (باستثناء الشاعر اللبناني قيصر عفيف الذي يعيش في المكسيك) بينما كانت أميركا الجنوبية حافلة بالأدباء المهجريين مثل جورج صيدح، رشيد سليم الخوري، نظير زيتون، شفيق معلوف، فوزي معلوف، إلياس فرحات، إلياس قنصل، زكي قنصل، شكرالله الجر، نعمة قازان، حبيب مسعود، توفيق ضعون، وغيرهم.
كذلك أسس المهجريون النوادي الأدبية والجماعات الأدبية المختلفة، والمطابع العربية، والصحف والمجلات العربية (أول صحيفة عربية ظهرت في المهجر الأمريكي كانت «كوكب أمريكا عام 1892، أصدرها إبراهيم ونجيب عربيلي).
* * *
فسيفساء الأدب المهجري:

رغم الحضور القوي والغامر للشعر العراقي الذكوري في المشهد الأدبي المهجري المعاصر، إلا أن هناك تلوينات وتنويعات مختلفة ومهمة ومتعددة تعطي المشهد العام شكل فسيفساء عربية راقية رائعة..

فالأصوات النسائية من الأقطار العربية المختلفة والمهاجرة لأسباب مختلفة تعطي توازنًا ضروريًا للاستمرار، كذلك حضور اللون القصصي واللون الروائيّ الناضجين يعطي اللوحة جمالاً خاصًا يقرّبها من الكمال.

وإن الأقلية الأدبية من شمال أفريقيا تخلق مع كل ما سبق أدبًا مهجريًا متناغمًا متجانسًا بألوان متنوعة متناسقة تشكل معًا لوحة الأدب المهجري المعاصر.
* * *
الاغتراب الأدبي:

بعد سبعة عشر عامًا من حمل «الاغتراب الأدبي» على كتفيه وفي مقلتيه، قرر الأستاذ الدكتور «صلاح نيازي»، مع زوجته الأديبة «سميرة المانع» أن يتوقفا عن إصدار مجلتهما التي كانت صوت المغتربين خاصة من العراقيين.
أمامي اثنان وخمسون عددًا من مجلة «الاغتراب الأدبي»، علمتني الكثير عن الأدب المهجري أو أدب المنفى والاغتراب.
وكما يشرح الدكتور صلاح نيازي في أكثر من مكان فإن العنوان يتحمل معنيين: اغتراب الأدب في هذا العالم المادي غير المبالي، وأدب المغتربين والاغتراب بكل خصوصياته وجمالياته.
بدأ د. صلاح وزوجته المجلة بهذه الجملة عام 1985 :
(لو كان مجرد احتضان المغتربين العازفين عن النشر بهذا البلد أو ذاك، أو بهذا المطبوع أو ذاك، مخافة أن يُروا وكأنهم يتشيعون إلى فئة بعينها أو إلى عشيرة بعينها.. مبررًا لهذه المجلة.. فكفى).

تشكل المجلة بالنصوص والأشعار والترجمات والملفات التي نشرتها شهادة حية عن الأدب المهجري في العقدين الماضيين وتكتب تاريخًا شبه كامل عن فترة التسعينات وأواخر القرن العشرين من ناحية الأدب العربي في الخارج. إنها عمل يستحق التقدير، ويتطلب دراسة أعمق من النقاد لفهم الأدب المهجري.
* * *
المجلات الأدبية:

أذكر هنا بعض أسماء المجلات الأدبية التي تصدر حاليًا في الخارج باللغة العربية خصوصًا. أما الجرائد فمنها محلية داخل بلد أوربي أو أميركي ، ومنها عالمية خاصة الصادرة من لندن، فهي توزع في العديد من البلدان العربية والأجنبية.
- مجلة ألواح: يصدرها الكاتبان عبد الهادي سعدون، ومحسن الرملي في إسبانيا.
- مجلة حجلنامة: تهتم بالثقافة الكردية ويرأس تحريرها الشاعر محمد عفيف الحسيني في السويد.
- مجلة صوت الوطن: يشرف عليها الشاعر والكاتب مصطفى محمد غريب في النرويج.
- مجلة ضفاف: يشرف عليها الشاعر والكاتب وديع العبيدي في النمسا.
- مجلة كلمات: يحررها الكاتب رغيد النحاس في أستراليا.
- مجلة أحداق: يرأس تحريرها الكاتب عدنان حسين أحمد في هولندا.
- مجلة الحركة الشعرية: يرأس تحريرها الشاعر قيصر عفيف في المكسيك.
- مجلة صفحات : ترأس تحريرها الشاعرة إباء إسماعيل في أميركا.
- مجلة بانيبال: تصدر باللغة الإنكليزية وتعنى بالأدب العربي ويشرف عليها الكاتب صموئيل شمعون كما إنه يشرف على موقع كيكا الالكتروني الأدبي.
- مجلة ديوان: تصدر بالدانماركية وتعنى بالثقافة العربية ويشرف عليها الشاعر منعم الفقير. كما يصدر مجلة «السنونو» التي تهتم بالثقافة في الدانمارك.
- يشرف الشاعر عبد القادر الجنابي المقيم في فرنسا على القسم الثقافي لموقف إيلاف الالكتروني. وقد أصدر الشاعر في السابق مجلة «الرغبة الإباحية» التي تنتمي إلى الإرث السوريالي. ثم أصدر مجلة «فراديس» (مع الشاعر خالد المعالي).
- مجلة المسلة: فيترأس تحريرها الكاتب علي عبد الأمير، وقد صدرت الأعداد الأولى منها في لندن ثم انتقلت إلى الأردن.
هناك أيضًا مجلات الكترونية تصدر في الخارج وتستقبل الأدب العربي من داخل الوطن وخارجه أذكر منها مثالين:
- مجلة أفق: يرأس تحريرها الشاعر محمد النبهان المقيم في كندا ويعمل مع مجموعة من الكتاب المقيمين في الكويت.
- مجلة نسابَا: يشرف عليها الشاعر علي مزهر المقيم في أميركا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق