الأدب .. و احتمالات البقاء حياً
بقلم / أحمد حنفي

بل لن أكونَ مجاوزاً لو قلتُ أن الأديب الحقيقي هو من يرى حياتَه الحقيقية - أو هكذا يسمونها - ما هي إلا حياة افتراضية أو قل جسراً إن شئتَ لحياته و واقعه الذي يشعر فيه بمطلق الحريةِ و السلطةِ ليستحيلَ الأدبُ من مجرد كونه عالماً افتراضياً أو عالماً بديلاً إلى واقعٍ ملموسٍ محسوسٍ يتمتَّعُ بكل مقوماتِ الحياة ..
تلك المقومات التي تجعلك تستغنى عن كلِّ ما هو غالٍ و نفيسٍ في العالم الذي ظنَّه المزيفون حقيقياً .. ذلك و ببساطةٍ شديدةٍ لأنك أيها الأديب - و أعني هنا الأديب و ليس المدعي - وجدت عالمك الحقيقيَّ لتتضاءلَ إلى جواره العوالم الأخرى بمشتملاتها من ثرواتٍ و شخوص ..
قد يبدو كلامي غريباً بعض الشئ فهناك من يدَّعي أن انفصالَ الأديب عن مجتمعه لن يؤدِّي إلا لمزيدٍ من الرِّدَّةِ الثقافيةِ و عاملاً مساعداً و محفِّزاً لنشاط الكائنات - تحت الحية - التي تدعي و لا تقدم سوى المنِّ و الوعيدِ .. لكن صدِّقوني أنَّ بعالمكم الرائع الجديد تكمنُ قوتكم و تكمن مصادر جذبِ الحقيقيين من القراءِ و المتابعين ..
أنتم في غنى عن ذلك المجتمع المادي الذي يحفلُ بذبابِ المنتفعين و طنينِ الأدعياء .. أنتم أغنى بوعيكم .. أكبر بثقافتكم .. أدوم بتراثكم و حريتكم و حقيقتكم ..
لعلَّ هذا ما أدركه الكاتب المسرحي الأيرلندي الشهير "جورج برنارد شو" (GEORGE BERNARD SHAW)عندما رفض جائزة نوبل حين قُدِّمت له و قال :
" إنَّ هذا طوق نجاةٍ يُلقَى به إلى رجلٍ وصلَ فعلاً إلى برِّ الأمانِ ، و لم يعد عليه من خطرٍ "
![]() |
جورج برنارد شو |
نعم .. عالمك أيُّها الحقيقيُّ هو برُّ الأمانِ لك .. فقط من يغرقُ هو من تراه يرفعُ صوتَه بالصراخِ ليراه الناس .. لينقذونه من الهلاكِ و الموتِ بلا أثرٍ أو قيمةٍ .. في الوقتِ الذي يهنأُ فيه الحقيقيُّ بوصوله لبرِّ الأمان ..
و رهانك للبقاء حيّاً .. مبدعاً .. مرهوناً بوصولك لعالم الحقيقةِ المطلقةِ .. لتكونَ أحدَ مُلَّاكها أديباً فيلسوفاً يمتلك رؤيةً تجاه العالم من خلال إعادةِ ترتيبِ مفرداتِه على ضوءِ رؤيا شمولية لا على أساسِ التشدقِ و الاستعراض الزائف الذي لا يصدر إلا من دجالٍ مشعوذٍ ..
ربما ستلقى مصيراً مشابهاً لمصير "لوركا" و تعدم بالرصاص لكنه إنهاءٌ لعالمك الذي وصفته بالجسر و الذي ستصلُ من خلاله للعالم الحقيقي .. و لن يستطيعوا أن يعدموك فيه .. عالمك الحقيقيُّ لست مضطراً أن تحتفظَ فيه بتكوينك البيولوجي فإنه باقٍ بعدك بكثيرٍ ..
![]() |
لوركا |
إنه ما قصده "لوركا" حين قال:
" و عرفتُ أنَّي قُتلتُ
و بحثوا عن جثتي في المقاهي و المدافن و الكنائس
فتحوا البراميل و الخزائن
سرقوا ثلاث جثث
و نزعوا أسنانها الذهبية
و لكنهم لم يجدوني قط"
أحمد حنفي - الإسكندرية
12 نوفمبر 2014
بقلم / أحمد حنفي
ردحذفأحسنت أخي أحمد .. ألا نامت أعينُ الزيفِ والمزيفين ؟!!!!!!!!!!
ردحذف