الخميس، 4 ديسمبر 2014

عواد النصاب ..!

عواد النصاب ..!


بقلم / أحمد حنفي


كثيرون هم المدَّعون ..
يكفيك أن تراه بين الجلوسِ في ندوةٍ ما محتفياً بأناقته - هكذا يحسبها - واضعاً ساقه اليسرى على نظيرتها - إذ لا يمنى له - يرشقُ سبَّابته في وسط التلسكوب الكوني الذي يُخبِّئُ خلفه عيونه الزائغةَ مفتعلاً الإنصات و التفكير فيما وراء النص و متعالياته ، يحسبه الجاهلون راسخاً في الشعرِ ، سابراً لأغواره ، جامعاً لأفكارِ الأولينَ ، ملهماً لجُلِّ اللاحقينَ ، بينما لا يتجاوز قلمه قيمة الخمسين قرشاً المشترى بهم ، يظنُّ نفسَه شاعراً مجاوزاً لكنه في الحقيقة صار متجاوزاً لقواعد اللعبة ..
يكفيك أن تراه على تلك الهيئةِ حتى تعلم مدى ادِّعائه و لا بأس أن نضيف إلى ما سبق من وصفٍ تلك الحقيبة الهائلة و التي تحوي إلى جانب الكتب و الدواوين الشعرية ركاماً هائلاً من مسوداتِ قصائده - هكذا يسميها - و التي يرى أنك محظوظاً جداً لأنك ستسمعها كلها في جلسةٍ واحدةٍ على المقهى اللعين الذي ساقتك أقدارُك البائساتُ للجلوس عليه برفقته البائسة هي الأخرى.
ربما قابلتم جميعاً أنماطاً كهذه تمتليءُ بها ندوات مصر من أقصاها إلى أدناها .. و ربما أيضاً كنت أنت هذا المدَّعي و لاتعلم !
نعم .. قد لا تعلمُ أنَّك مدّعٍ ..!
فليس المزيَّفُ هو ذلك القابعُ بين ركامِ أفكاره المتخثرةِ المتنطعُ بزيغه على أكتافِ الحقيقيين الذي تراه يتمطَّى محاولاً ملء أكبر حيزٍ من الفراغ حتى لكأنه يقول للآخرين "أنا موجود ها هنا مثلي مثلكم" ، إنما المزيَّفُ قد يكون شاعراً جيداً .. نعم قد يكون المزيَّفُ شاعراً جيداً .. أكرِّرُ قد يكون شاعراً جيداً المزيَّفُ ..!!!
و لكن "جيداً" إلى أيِّ مدى ؟
جيداً إلى المدى الذي حين تسمعه يقول شعراً ترى نفسك قائلاً: "لا بأس" ربما يفاجئني المرة المقبلة .. و حين تأتي هذه المرة ترى نفسَك لست متفاجئاً .. و يظلُّ يدور بذاتِ الفلكِ شهوراً و سنيناً و ربما خبا قبل أن ينفتحُ على مداراتٍ أُخر ..
إنَّ الشاعرَ الذي يظلُ حبيساً لأفكارٍ عفا عليها الزَّمنُ - كما يقولونَ - هو شاعرٌ يدعي أنه ينتمي لزماننا ، و الشاعر الذي يكرر كتاباته و أساليبه و مفرداته على مدارِ ثلاثين عاماً هو شاعرٌ يدَّعي أنه مجدِّدٌ متطوِّرٌ ، و الشاعرُ الذي يناقشك في أكثر قضايا الشعرِ حداثةً في الوقت الذي لم يقرأ فيه حرفاً واحداً عنها فقط ليقالَ أنه مثقف و مطَّلع هو شاعرٌ يدَّعي الحداثةَ و هو بعيدٌ عنها بمقدار ثلاثين سنة ضوئية.
و ربما حاول أن يكونَ حداثياً في كتاباته ، و لعلك تراه يكتب قصيدة النثرِ مثلاً - ربما لأنهم أخبروه أن من يكتب قصيدة النثر يكونُ حداثياً - و هو بذلك مثله مثل عوَّادٍ أراد أن يعيدَ عزف سيمفونيات بيتهوفن مثلاً على عوده المثقَّبِ من شظايا الفحم المتطاير مع أدخنةِ شيشته على مقاهي بلدته المكتظةِ بأفلامِ البورنو و الناموس ، محاولاً أن يقنعك أنه يقدمُ الجديدَ لكنَّ وعيكَ حتماً سيهديكَ إلى أنه عوّأدٌ نصاب.
ينصبُ على الجهلاءِ بشعوذةِ أنغامه ، و على المدَّعينَ بثرثرةِ أقلامه ، و على أصدقائه بعشرةِ أيَّامه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق